ما هو التسويف؟ أنواعه، أسبابه، وطرق التعامل معه

ما هو التسويف؟ أنواعه، أسبابه، وطرق التعامل معه

هل شعرتَ يومًا أن مهمةً هامةً أمامك مباشرةً، ولكن يبدو وكأن قوةً خفيةً تُقيّدك، وتمنعك من البدء؟ هذا هو بالضبط جوهر التسويف؛ العدو الصامت الذي يلتهم بهدوءٍ وصمتٍ لحظات الحياة الذهبية وفرصها. يقول علماء النفس إن التسويف ليس مجرد كسل، بل هو صراعٌ داخليٌّ مُعقّد، حيث يتمزق العقل بين المتعة اللحظية والنجاح المستقبلي. ومثل المصارع الذي يُدير ظهره لخصمه في منتصف الحلبة ويتخلى عن المباراة بدلًا من الهجوم، نخسر أحيانًا معركة الحياة بالتأجيل والتسويف.

في هذه المقالة، سنتناول التسويف من منظور نفسي ونتعرف على أنواعه. كما سنقدم حلولاً فعّالة لعلاجه من منظور نفسي. فإذا كنت تعاني من هذه المشكلة، فتابعنا حتى نهاية المقالة.

ما هو التسويف في علم النفس؟

في علم النفس، يُعرَّف التسويف بأنه سلوك الشخص الذي يؤجل القيام بشيء ما، عمدًا وقصدًا، حتى مع إدراكه لأهميته وضرورته المباشرة. عادةً ما يُمارس هذا السلوك دون سبب منطقي، وغالبًا ما يرتبط بعواقب سلبية؛ عواقب يتوقعها الشخص مُسبقًا، لكنه يُؤجلها مع ذلك.

يعتبر علماء النفس هذه الظاهرة اضطرابًا في ضبط النفس، أي عدم القدرة على تنسيق الأفكار والمشاعر والأفعال لتحقيق هدف محدد. التسويف ليس كاللامبالاة أو الكسل ، فكثير من المماطلين يكونون نشيطين ومجتهدين في مجالات أخرى، لكنهم يماطلون ويؤجلون بعض المهام.

من منظور علمي، قد يكون التسويف نتيجة تفاعل معقد بين عوامل معرفية وعاطفية وسلوكية. غالبًا ما يرتبط هذا السلوك بالخوف من الفشل ، أو السعي للكمال ، أو قلق الأداء ، أو تجنب المشاعر غير السارة. أحيانًا، يُقلل الشخص من تقدير الوقت المطلوب ويُؤجله حتى يُجبره ضغط الموعد النهائي على اتخاذ إجراء. تتحول هذه الدورة تدريجيًا إلى نمط متكرر، وقد يؤثر سلبًا، إن لم يُسيطر عليه، على أدائه الأكاديمي ومسيرته المهنية، وحتى علاقاته الاجتماعية.

ما هو التسويف؟ أنواعه، أسبابه، وطرق التعامل معه

أنواع التسويف في علم النفس

يعتبر علماء النفس التسويف نوعًا من اضطرابات التنظيم الذاتي؛ أي الرغبة في المضي قدمًا، لكن العقل يُفعّل التوقف الطارئ من خلال سلوك لاواعٍ. هناك أنواع مختلفة من هذا الاضطراب، وقد يُصاب كل شخص بنوع أو أكثر منها. تشمل أنواع التسويف من وجهة نظر علم النفس ما يلي:

1. التسويف السلبي

في هذا النوع من التسويف، يؤجل الشخص المهام دون وعي، وعادةً ما يكون مرتبكًا أو خائفًا من البدء أو غير قادر على اتخاذ القرارات. غالبًا ما ينتظر هؤلاء الأشخاص حتى اللحظة الأخيرة، وينتهي بهم الأمر إما بإنجاز المهمة جزئيًا أو عدم البدء بها على الإطلاق. تكمن المشكلة الرئيسية في التسويف السلبي في غياب التخطيط الفعال وسوء إدارة الوقت.

2. التسويف النشط

ظاهريًا، يبدو الأمر وكأنه مماطلة سلبية، ولكن مع فارق مهم واحد: يتعمد الشخص تأجيل إنجاز مهمة ما لاستغلال ضغط الوقت لزيادة التركيز والإنتاجية. عادةً ما يكون هؤلاء الأشخاص مدفوعين بضغط الوقت، فيقدمون أفضل أداء لهم في اللحظة الأخيرة.

3. التسويف المثالي

في هذه الحالة، يماطل الشخص خوفًا من عدم قدرته على إنجازه على أكمل وجه. الرغبة الشديدة في الكمال تجعل البدء صعبًا أو مستحيلًا. ونتيجةً لذلك، يُقضى ساعات أو أيام في التخطيط، وتنقيح التفاصيل، والمراجعة المُفرطة، دون تحقيق أي نتيجة حقيقية.

4. تجنب المماطلة

التسويف التجنبي ناتج عن الخوف من الفشل، أو حتى الخوف من النجاح. أي أنه بتجنب القيام بشيء ما، يتجنب الشخص حكم الآخرين عليه أو مواجهة النتيجة المحتملة. بمعنى آخر، يفضل الهروب على مواجهة التوتر أو القلق.

5. التسويف الموجه نحو اتخاذ القرار

يرتبط هذا النوع من التسويف بالعجز عن اتخاذ القرارات. يقضي الشخص وقتًا طويلًا في الاختيار بين عدة خيارات، لدرجة تفويت الفرص. ويعود ذلك عادةً إلى الخوف من اتخاذ قرار خاطئ أو الرغبة في إيجاد الخيار الأفضل.

6. التسويف بسبب التشتيت

في هذا النوع، يُهمل الشخص مهمته الرئيسية، بوعي أو بغير وعي، وينشغل بأنشطة أو هوايات أقل أهمية. تُصبح مواقع التواصل الاجتماعي، وألعاب الفيديو، أو حتى ترتيب المكتب، أعذارًا للتهرب من بدء المهمة الرئيسية.

7. التسويف المزمن

التسويف المزمن هو عادة مستمرة وطويلة الأمد ولها عادة جذور نفسية عميقة ومن الصعب التغلب عليها بدون تدخل وعلاج متخصص.

ما هو التسويف؟ أنواعه، أسبابه، وطرق التعامل معه

شاهد ايضا"

أسباب التسويف حسب علماء النفس

التسويف عدوٌّ صامتٌ يُدمّر لحظات الحياة الذهبية وفرصها. يقول علماء النفس إنّ التسويف ليس مجرد كسل، بل هو صراع داخليّ مُعقّد، حيث يتمزق العقل بين المتعة اللحظية والنجاح المُستقبلي. ووفقًا لعلماء النفس، فإنّ أسباب التسويف هي:

  • الخوف من الفشل

من أهم أسباب التسويف الخوف من ألا تكون النتيجة جيدة بما يكفي. يدفع هذا الخوف الشخص إلى تجنب البدء لتجنب احتمال الفشل. ببساطة، يركز العقل على احتمال الفشل بدلًا من احتمال النجاح، مما يُشلّ العمل.

  • الكمال الشديد

من يضع لنفسه معايير غير واقعية يؤجل حتى البدء بأي مهمة حتى يشعر بأنه قادر على إنجازها على أكمل وجه. المشكلة أن الوقت لا يأتي أبدًا، فالكمال لا حدود له.

  • اللامبالاة أو عدم الاهتمام

عندما لا تُثير مهمة أو مهمة اهتمام الشخص بما يكفي، يبحث الدماغ تلقائيًا عن أنشطة أكثر متعة. هذا اللامبالاة قد تجعل حتى أبسط المهام تبدو مُرهقة ومُربكة.

  • ضعف في إدارة الوقت

لا يستطيع بعض الناس تقدير حجم العمل بدقة أو تحديد أولوياته بشكل صحيح. هذا يؤدي إلى تأجيل المهام المهمة إلى اللحظة الأخيرة، ويؤدي ضغط الوقت إلى المماطلة.

  • الاندفاعية والتشتت

من يتأثرون بسهولة بالمحفزات الخارجية، يُشتت انتباههم بسهولة عن المهمة الرئيسية. حتى إشعار الهاتف أو رسالة نصية قد تُشتت انتباههم وتُدخلهم في دوامة من المماطلة.

  • القلق والتوتر

عندما ينطوي القيام بشيء ما على قدر كبير من التوتر أو الضغط النفسي، قد يتجنبه الشخص لا شعوريًا لتأجيل الشعور بالقلق. هذا السلوك يُخفف من وطأة القلق على المدى القصير، ولكنه على المدى البعيد يزيد من حدة التوتر.

  • عدم وضوح الهدف

إذا لم يكن الشخص يعرف بالضبط ما يجب فعله، أو كانت الخطوات والمسارات غير واضحة، فإن الدماغ يؤجل بدء المهمة. الغموض وغياب خطة واضحة يُضعفان الدافع ويُصعّبان اتخاذ القرار.

  • المكافأة الفورية للدماغ

يميل الدماغ البشري إلى الاستجابة للمكافآت الفورية بدلاً من المكافآت المؤجلة. ولهذا السبب، غالبًا ما تتغلب متعة الترفيه أو الاسترخاء قصيرة المدى على أداء مهمة ذات نتيجة مستقبلية.

  • العادات المتكونة منذ الطفولة

بعض أنماط التسويف تعود جذورها إلى الطفولة، كأن يتعلم الطفل الحصول على مزيد من الاهتمام أو المساعدة من الآخرين بتأجيل المهام. وقد تستمر هذه العادة حتى مرحلة البلوغ.

  • المشاكل النفسية أو الاضطرابات المصاحبة

يمكن لاضطرابات مثل الاكتئاب ، أو اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة ، أو اضطراب القلق الاجتماعي أن تزيد من التسويف. في هذه الحالات، يمكن لعلاج المشكلة الأساسية أن يقلل بشكل كبير من وتيرة التسويف.

آثار وعواقب التسويف

التسويف، على عكس ما يعتقده الكثيرون، ليس مجرد عادة بسيطة وغير ضارة تُسبب أحيانًا تأخيرًا في إنجاز الأمور. هذا السلوك قد يُعيق الشخص كسلسلة غير مرئية، ويُعيق نموه الشخصي والمهني، بل وحتى صحته النفسية والجسدية. عندما يصبح التسويف عادة مُستدامة، تظهر آثاره تدريجيًا في جميع جوانب الحياة (من زيادة التوتر إلى تفويت الفرص الذهبية). 

طرق علاج التسويف

يتطلب التعامل مع التسويف وعيًا وممارسةً ومثابرة. لا يوجد حل سحري يُنهي هذه المشكلة بين عشية وضحاها. ولكن بتطبيق مجموعة من الأساليب العلمية والنفسية، يُمكن السيطرة على هذه العادة تدريجيًا، بل والتخلص منها نهائيًا. ومن أهم العلاجات النفسية وأكثرها فعاليةً للتسويف ما يلي:

1. تقسيم المهام إلى أجزاء أصغر

من أهم أسباب التسويف أن تبدو المهام كبيرةً ومُرهقةً. عندما يُقسّم العمل إلى أجزاء صغيرة، يُصبح البدء أسهل وأيسر. بدلًا من أن تقول: عليّ كتابة الكتاب كاملًا، قل: سأكتب صفحتين فقط اليوم.

2. تقنية بومودورو

تتضمن هذه الطريقة العمل على فترات ٢٥ دقيقة بتركيز كامل، تليها استراحة لمدة ٥ دقائق. تساعد هذه الطريقة على الحفاظ على التركيز وتمنع إرهاق الدماغ. بعد ٤ دورات، خذ استراحة أطول (١٥ إلى ٣٠ دقيقة).

3. حدد وقتًا شخصيًا.

حتى لو تأخر الموعد النهائي الرسمي، حدد لنفسك تاريخًا ووقتًا مبكرًا. هذا سيُنشّط شعورًا بالإلحاح ويمنعك من المماطلة.

4. إنشاء بيئة عمل خالية من عوامل التشتيت

إشعارات الهاتف المحمول، ووسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى صوت التلفاز، قد تُشتت انتباهك. لذا، فإنّ إزالة المُشتتات وخلق بيئة هادئة ومنظمة يُقلّل بشكل كبير من احتمالية التسويف.

5. ركز على متعة القيام بالعمل، وليس فقط على النتيجة.

بدلًا من التفكير الدائم في النتيجة النهائية (التي قد تبدو بعيدة المنال وعظيمة)، ركّز على الاستمتاع بالعملية. هذا التغيير في نظرتك يمكن أن يزيد من حماسك.

6. كافئ نفسك

كافئ نفسك بعد إتمام كل جزء من المهمة، مثل فنجان قهوة، أو مشاهدة فيديو قصير، أو المشي. سيساعدك هذا على تهيئة عقلك لأداء المهمة.

7. إدارة الطاقة بدلاً من إدارة الوقت فقط

بعض الناس يكونون أكثر إنتاجية في الصباح والبعض الآخر في المساء. إن إدراك أوقات ذروة النشاط وجدولة المهام المهمة فيها سيزيد الإنتاجية ويقلل من الميل إلى المماطلة.

8. طلب ​​الدعم من الآخرين

إن وجود شريك للمساءلة أو الإبلاغ عن التقدم إلى صديق يمكن أن يخلق ضغطًا إيجابيًا لإكمال المهام في الوقت المحدد.

9. معالجة المشاكل الأساسية

إذا كان سبب التسويف هو القلق الشديد أو الاكتئاب أو اضطراب نقص الانتباه، فمن الضروري رؤية طبيب نفسي أو مستشار وعلاج السبب الجذري.

ما هو التسويف؟ أنواعه، أسبابه، وطرق التعامل معه

نهاية التسويف، بداية التغيير

التسويف ليس مجرد عادة بسيطة، بل هو نمط سلوكي عميق، وراسخ أحيانًا، في عقولنا ونفسيتنا، قادر على تغيير مجرى حياتنا. فهم أسباب هذا السلوك أشبه بإشعال ضوء في غرفة مظلمة؛ فعندما ندرك الأسباب، نستطيع السعي بوعي إلى العلاج.

يتطلب التعامل مع التسويف مزيجًا من الوعي الذاتي، وإدارة الوقت، وتغيير السلوك، والأساليب العملية. بالبدء بخطوات صغيرة والالتزام بالتغييرات الإيجابية، يمكنك كسر قيود التسويف وعيش حياة أكثر إنتاجية وسلامًا ونجاحًا. تذكر، في كل مرة تقرر فيها اتخاذ إجراء، فأنت تتخذ الخطوة الأولى نحو التغلب على التسويف.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال