المولد النبوي الشريف: بين النشأة والأحكام

 



مقدمة

يُعَدّ المولد النبوي الشريف من أبرز المناسبات التي يحتفل بها كثير من المسلمين في أنحاء العالم، حيث يُعبرون فيه عن محبتهم لرسول الله ﷺ بذكر سيرته العطرة والصلاة والسلام عليه. وقد كان موضوع المولد محل نقاش واسع بين العلماء قديمًا وحديثًا، ما بين مؤيد ومعارض ومفصّل.


نشأة المولد

لم يُعرف عن الصحابة ولا التابعين ولا الأئمة في القرون الثلاثة الأولى أنهم احتفلوا بذكرى المولد النبوي. وأول من أقام احتفالًا منظمًا بالمولد هم الفاطميون في مصر في القرن الرابع الهجري، ثم اشتهر بعد ذلك في عهد الملك المظفر صاحب أربل بالعراق في القرن السادس الهجري، حيث كان يقيم احتفالات كبرى يحضرها العلماء والفقهاء، ومنها انتشر في بقاع كثيرة من بلاد المسلمين حتى صار تقليدًا شعبيًا ودينيًا عند كثير منهم.


الأحكام الشرعية

1. المؤيدون

يرون أن المولد بدعة حسنة إذا خلا من المحرمات، لأنه يذكّر المسلمين بسيرة نبيهم ويقوي محبتهم له، واستدلوا بعموم قوله ﷺ: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها".

2. المعارضون

يرون أن المولد بدعة لا أصل لها في الشرع، لأنه لم يفعله النبي ﷺ ولا أصحابه ولا التابعون، بل عدّوه من المحدثات في الدين، مستدلين بقول النبي ﷺ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".

3. المفرّقون

قالوا إن الاحتفال إن كان مجرد اجتماع على الذكر والصلاة على النبي ﷺ وتدارس سيرته فهو جائز، أما إن اشتمل على غلو أو منكرات أو بدع شركية فهو محرم.


آراء العلماء

  • من المؤيدين: ابن حجر العسقلاني، السيوطي، ابن دحية.

  • من المعارضين: ابن تيمية، الشاطبي، الفاكهاني.

  • من الموسطين: بعض العلماء المعاصرين الذين رأوا أنه وسيلة للتذكير إذا ضبطت بالضوابط الشرعية.


الخلاصة

المولد النبوي الشريف لم يكن من عمل السلف الصالح، لكنه أصبح فيما بعد مناسبة دينية واجتماعية. واختلاف العلماء فيه بين الجواز والتحريم والتفصيل إنما هو اختلاف في مدى مطابقته للشرع أو مخالفته له. غير أن الجميع متفقون على أن أعظم صور المحبة للنبي ﷺ تكون باتباع سنته، ونشر دعوته، والعمل بهديه في حياتنا اليومية.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال