"أعذروه… احتمال مشغول، احتمال مهموم، احتمال أنه يبتسم أمامكم وقلبه يئن في الداخل. أحيانًا لا يغيب الإنسان لأنه يريد الغياب، بل لأن الحياة تجرّه من كتفه إلى معركة لم يخبر أحدًا عنها، معركةٍ يتقاتل فيها مع فوضى الأيام، وثقل المسؤوليات، وتراكم الخذلان، ومحاولاته المستمرة ليبدو بخير.
لا تصدّقوا أن كل غيابٍ إهمال، ولا كل صمتٍ تجاهل، ولا كل انسحابٍ برود. فهناك من ينسحب ليحفظ ما تبقى من طاقته، ويصمت لأنه استنزف كل الكلمات، ويغيب لأنه يخشى أن يجرّح من يحب وهو مُثقل الجناح.
يا قوم… التمسوا الأعذار لمن أثقلته الحياة. فكم من شخص يحمل بداخله حربًا صامتة، لا يريد أن يُرهق أحدًا بتفاصيلها. البعض يتعب لدرجة أنه لا يملك القدرة على الشرح، ولا قوة الاعتذار، ولا وقتًا لإعادة ترتيب الكلمات. قد ينام وهو مرهق من التفكير، ويستيقظ وهو أشد تعبًا مما كان عليه، ويمشي بيننا وهو يحاول فقط أن ينجو من يومه.
هناك أشخاصٌ يعتذرون بقلوبهم وإن عجزت ألسنتهم؛ يعتذرون بنبرة الهدوء، برغبتهم في ألا يؤذوا أحدًا، بمحاولاتهم المستمرة في أن يبقوا لطيفين رغم الثقل الذي يسكن صدورهم. قد تظنون أنهم تغيّروا، لكن الحقيقة أنهم فقط يحاولون البقاء واقفين.
أعذروه… فقد يكون يقف على حافة طاقته، يخوض مع نفسه ما لا يستطيع قوله، يعدّ أنفاسه ليمرّ اليوم دون سقوط، ويجمع شتاته كل صباح ليبدو كما عهدتموه. ربما تأخر في الرد، وربما صمت طويلًا، وربما أدار ظهره لموقفٍ ما، لكن قلبه لم يتغيّر؛ فقط إنها الحياة حين تشتد، تضيق على الروح حتى لا تترك لها متسعًا إلا للصمت.
الاعتذار يا قوم ليس نقصًا، بل رفعة نفس، ولا يمنع الإنسان منه إلا التعب. فلو رأيتم في أحدهم غيابًا غير معتاد، أو صمتًا غير مفهوم، فلا تفسّروه قسوة. اسألوا عن حاله قبل أن تلوموه، وامنحوه مساحة ليلتقط أنفاسه، فبعض الأرواح لا تحتاج محاسبة… بل تحتاج احتضانًا دون سؤال.
أعذروه… فربما كلمة منكم، كلمة رحمة أو لطف أو فهم، تعيد إليه شيئًا من روحه التي تركها على الطريق."


